أجل التحكيم وحالات مده وفق قانون التحكيم السوري
المحامي ناهل المصري - محكم مستشار في مركز أراوس للتحكيم
مقدمة
نصت المادة 37 من قانون التحكيم السوري رقم 4 لعام 2008 بخصوص مدة التحكيم على ما يلي:
1. على هيئة التحكيم إصدار الحكم الفاصل في النزاع خلال المدة التي اتفق عليها الطرفان، فإذا لم يوجد اتفاق وجب أن يصدر الحكم خلال مدة 180 يوماً من تاريخ انعقاد أول جلسة لهيئة التحكيم.
2. يجوز لهيئة التحكيم إذا تعذر عليها الفصل في النزاع ضمن الآجال المذكورة في الفقرة السابقة، مد أجل التحكيم لمدة لا تزيد على 90 يوما ولمرة واحدة.
3. إذا لم يصدر حكم التحكيم خلال الميعاد المشار إليه في الفقرتين السابقتين جاز لكل طرف من طرفي التحكيم أن يطلب من المحكمة المعرفة في المادة 3 من هذا القانون خلال مدة 10 أيام من انتهاء هذا الميعاد مد أجل التحكيم لمدة إضافية لا تتجاوز 90 يوما ولمرة واحدة، وفي هذه الحالة يتم التمديد أو رد طلبه بقرار مبرم تصدره المحكمة في غرفة المذاكرة بعد دعوة الخصوم.
4. في حال انتهاء أجل التحكيم وفق ما جاء في الفقرات السابقة دون صدور حكم التحكيم، كان لأي طرف من طرفي التحكيم رفع دعواه إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع ما لم يتفقا على التحكيم مجدداً.
5. إذا انقضت آجال التحكيم ولم تفصل هيئة التحكيم في النزاع بدون عذر مقبول كان للمتضرر من أطراف التحكيم مراجعة القضاء المختص لمطالبتها بالتعويض.
وواضح من هذا النص أن قانون التحكيم ترك أمر تحديد مدة التحكيم للخصوم، فإذا اتفقوا يكون هذا الاتفاق آمراً وواجباً ونافذاً، ويجب عندها على هيئة التحكيم إصدار الحكم خلال هذه المدة. وإن لم يتفقوا ففي هذه الحال تدخل القانون وأوجب يصدر الحكم خلال مدة 180 يوماً من تاريخ انعقاد أول جلسة لهيئة التحكيم.
أسئلة كثيرة تدور حول هذه المسألة ومرتبطة بتحديد مدة التحكيم، أهمها:
● ما هي مدة التحكيم في القانون السوري؟
● وهل القواعد التي أقرها القانون السوري بخصوص تحديد المدة تعتبر من القواعد الآمرة أم التكميلية؟
● يستتبع الجواب على السؤال السابق حول طبيعة قواعد المدة في القانون السؤال حول ما مدى سلطة هيئة التحكيم أو مراكز التحكيم في تجاوز المدة المحددة قانوناً؟
أولاً- مدة التحكيم الأصلية:
من المقرر في قانون التحكيم (م 22) أن لطرفي التحكيم الإتفاق على الإجراءات التي يتعين على هيئة التحكيم إتباعها بما في ذلك حقهما في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منظمة أو مركز دائم للتحكيم في سورية أو خارجها، ما يشمل حقهما في تحديد مدة التحكيم.
ولقد اتجه المشرع السوري إلى الإتجاه والمذهب الذي يذهب إلى أن للتحكيم نطاقاً زمنياً يتقيد به، بإعتباره طريقاً إستثنائياً لتسوية المنازعات لا يجوز التوسع فيه ولا ترك مدته مطلقة مفتوحة متروكة لهيئة التحكيم، وأوجب التقيد بمدة محددة يحددها الأطراف على نحو قاطع في بداية إجراءات التحكيم، فإن لم يحددا هذه المدة حددها القانون (م 37).
ويتعين من ثم التقيد بالمدة التي حددها قانون التحكيم في حالة عدم إتفاق طرفي التحكيم على تحديدها بحيث إذا لم يصدر الحكم خلالها جاز لأي طرف من طرفي التحكيم رفع دعواه إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع ما لم يتفقا على التحكيم مجدداً. مع حق المتضرر بمراجعة القضاء للتعويض[1].
وقد حدد حالتين أساسيتين نصت عليهما الفقرة 1 من المادة 37 المذكورة أعلاه لطريقة تحديد مدة التحكيم الأصلية:
الحالة الأولى: حق طرفي النزاع في تحديد المدة ووجوب إلتزام هذه المدة من قبل هيئة التحكيم:
القاعدة أن مدة إصدار حكم التحكيم تتحدد بمقتضى إتفاق التحكيم سواءً مباشرةً في إتفاق التحكيم، أو في وثيقة لاحقة (مثل محاضر جلسات التحكيم)[2]، أو تحديدها بطريق غير مباشر حين يتفق طرفا التحكيم على الإحالة إلى قواعد الإجراءات الواردة في لائحة أو نظام مركز تحكيمي معين، أو حين يتفقا على تفويض هيئة التحكيم في تحديد المدة.
وبحسب المادة (37 الفقرة 1) فإن المشرع أعطى الأولوية في تحديد مدة التحكيم لإرادة الطرفين، فالأطراف يحق لهم بداية تحديد هذه المدة، وإرادتهما واجبة الإحترام من قبل هيئة التحكيم لا يجوز تجاوزها إلا في الأحوال المحددة حصراً في نفس المادة والتي سنأتي على تناولها تالياً.
وغني عن البيان أنه وطالما أن الغرض من التحكيم إحترام إرادة الأطراف والسرعة ومنع المماطلة والتسويف، وحتى لا يشوب شرط التحكيم أو المشارطة أي نقص أو غموض، فالمفروض على واضع شرط أو مشارطة التحكيم أن يحدد سلفاً مدة التحكيم، وعندها لا يثور أي مشكلة أو خلاف حول مدة التحكيم ناشئ عن الأطراف أو عن شرط أو مشارطة التحكيم.
الحالة الثانية: التحديد القانوني:
في حال عدم وجود إتفاق بين الطرفين على مدة التحكيم، فإن المشرع لم يشأ ترك هذه المدة مفتوحة أو معلقة دون تحديد وإنما حددها بـ 180 يوماً من تاريخ إنعقاد أول جلسة لهيئة التحكيم. وهذه المدة لا تكون معتبرة إلا في حال عدم وجود إتفاق لتحديد المدة بين الأطراف. أما في حال وجود إتفاق فالإتفاق هو الواجب التطبيق دون إعتداد بالمدة المحددة قانوناً زيادةً كانت أو نقصاناً. ذلك أن مدة التحكيم شأنها شأن كل قواعد الإجراءات التي يتفق طرفا النزاع على تطبيقها في التحكيم تأتي في الترتيب سابقة على قواعد التحكيم التي أوردها قانون التحكيم، وبالتالي فإنه إذا لم يوجد نص في القواعد التي حددها إتفاق التحكيم لحكم مسألة معينة من مسائل الإجراءات، فإنه يرجع إلى القانون الواجب التطبيق على الإجراءات.
حالة ثالثة لم يتعرض لها القانون:
هناك حالة أخرى قد تعترضنا لم يتعرض لها قانون التحكيم السوري تتعلق بسلطة هيئة التحكيم بتحديد الأجل في حال عدم وجود إتفاق بين الأطراف، وسلطتها بتمديد أو تقصير الأجل في هذه الحالة بالتحديد. فإذا لم يتفق الأطراف أو لم يتضمن الشرط مدة ثم جاءت هيئة التحكيم واستعملت سلطتها في تحديد الأجل وحددته ببداية التحكيم أو بأحد الجلسات بشهر واحد مثلاً، وانتهت هذه المدة دون أن تتمكن الهيئة من الفصل بالنزاع فهل تعتبر مدة الشهر ممتدة حكماً إلى الـ 180 يوماً الأصلية المحددة قانوناً بعدها يكون لها الحق بالتمديد الإضافي لمدة 90 يوماً إضافية؟ أم أنها ملزمة بما ألزمت به نفسها فلا يجوز لها استعمال الأيام الباقية من الـ 180 يوماً المحددة قانوناً ويبقى لها فقط حق التمديد لمرة واحدة الإضافية التي لا تزيد عن 90 يوماً؟
الذي أراه أن الهيئة يجب أن تكون ملزمة بما تلزم به نفسها إضافةً لما يلزمها به الأطراف. لذلك أنصح الهيئة إذا أرادت إستخدام سلطتها بتحديد المدة أن تستخدم المدة المحددة قانوناً بحدها الأقصى (180 يوماً). فأن تفصل الهيئة النزاع قبل إنتهاء المدة خيرٌ من إنتهاء المدة دون فصل النزاع.
أما في حال حددت هيئة التحكيم المدة بما يتجاوز مدة الـ 180 بوماً المحددة قانوناً فهذا غير جائز لأن تحديد المدة في هذه الحالة هو من القواعد الآمرة التي لا يجوز لهيئة التحكيم مخالفتها لا نصاً ولا عملياً.
وحالة أخرى لم يتعرض لها القانون هي حالة اللجوء لمركز تحكيم:
إذا قرر الأطراف اللجوء لمركز تحكيم، وكانت قواعد التحكيم التي اعتمدها هذا المركز لم تحدد أجلاً للتحكيم أو أعطت الحق لإدارة المركز أو لهيئة التحكيم لتمديده أو تقصيره دون تحديد المدة، أو تحديده بأجل يتجاوز 180 يوماً، فهل تعتبر المدة الوارد تحديدها بالمادة 37 ملزمة لها (لا تزيد عن 180 يوم) أم تعتبر قواعد المركز ملغية للتقييد بالمدة الوارد في هذه المادة؟
الحقيقة ان هذا الأمر مثار جدل فقهي كبير، لا يتسع المجال لمناقشته الآن، ولكن الذي أميل إليه أن تحديد المدة الواردة بالفقرة 1 من المادة 37 هو من القواعد الآمرة الواجبة التطبيق من قبل هيئة التحكيم ولا يجوز تجاوزها ومخالفتها بحال، سواء أكان التحكيم حراً أو مؤسسياً، بدليل أن القانون قد رتب جزاءاً على تجاوز هذه المدة، وأجاز إنهاءها من المحكمة المختصة، وأعاد الاختصاص بنظر النزاع للقضاء، وأجاز للمتضرر من أطراف التحكيم مراجعة القضاء المختص للمطالبة بالتعويض.
كما أرى أنه في الأصل يجب أن لا تتضمن قواعد وإجراءات التحكيم في المركز التحكيمي أي نص يخالف هذه الاحكام الآمرة أو يجاوزها. وأرى ضرورة ضبط العلاقة أكثر بين القانون السوري والقواعد المحددة في المراكز.
ونفس الأمر ينطبق على حالات مد الأجل طبعاً.
ثانياً- حالات مد الأجل:
قد تنتهي المدة المحددة (قانوناً أو بإتفاق الأطراف) ولما يُفصَلُ النزاع ولما يَصدر الحكم. ففي هذه الحالة أجاز المشرع السوري مد أجل التحكيم بطريقتين:
الطريقة الأولى:
لقد سار المشرع السوري مذهباً وسطاً بين أن تلتزم هيئة التحكيم بمدة صارمة لإصدار الحكم، وبين منح هيئة التحكيم الصلاحية والسلطة في تحديد مواعيد إجراءات التحكيم وفقاً لما تقضي به الظروف الخاصة بكل قضية على إستقلال. فمع أنه أوجب صدور الحكم التحكيمي خلال مدة معقولة (180 يوماً في حال عدم إتفاق الأطراف على المدة)، إلا أنه مع ذلك أعطى هيئة التحكيم حق التمديد تلقائياً حسب ظروف كل قضية وتوقعات الأطراف، وهنا راعى المشرع الحاجة إلى تسوية عادلة للنزاع في وقت مناسبة وتكلفة معقولة، فأعطى هيئة التحكيم حق مد المدة (لمرة واحدة فقط وعلى أن لا يتجاوز التمديد 90 يوماً).
فإذا تعذر على الهيئة الفصل بالنزاع ضمن المدد المحددة سابقاً، وكانت جادة وساعية في فصل النزاع، ورأت أنها تستطيع فصل النزاع ولكنها تحتاج لمدة إضافية معقولة فيجوز لها في هذه الحالة أن تمد أجل التحكيم (لمرة واحدة فقط) من ذاتها وتلقائياً على أن لا تزيد المدة الممددة على 90 يوماً[3].
التمديد الضمني والتمديد الصريح:
لم يشترط القانون أي شروط تتعلق بقرار التمديد من الهيئة وفقاً لأحكام الفقرة 2 من المادة 37 ولم يحدد له شكلاً أو صيغةً أو وقتاً، كما لم يوجب أن تصدر الهيئة قراراً صريحاً مكتوباً بالتمديد، وبالتالي فلا يجوز تضييق النص ولا موجب قانوني لإتخاذ قرار صريح مكتوب بالتمديد الإضافي لمرة واحدة الذي تتخذه الهيئة بحكم القانون.
وطبقاً للقاعدة الفقهية التي تنص على أن المطلق يجري على إطلاقه، فإن التمديد يصح أن يكون صريحاً قبل إنتهاء المدة الأصلية، أو صريحاً أو ضمنياً بعد إنتهاءها[4]. ويكون قرارها ضمنياً بأن تستمر الهيئة بالتحكيم وبإتخاذ وتنفيذ بعض القرارات الإجرائية لما بعد إنتهاء المدة الأصلية، كأن تحدد موعداً للجلسة القادمة أو موعداً لإجراء الكشف خارج المدة، ففي هذه الحالة يعتبر التحكيم ممتداً حكماً بحكم القانون وبقرار ضمني من قبل الهيئة مستخدمةً السلطة التي منحها إياها القانون. ويكون قرارها خلال هذه المدة قراراً صحيحاً لا تشوبه شائبة سواء أكان قرار التمديد صريحاً أو ضمنياً[5].
عدد مرات مد الأجل:
مدة الأجل من قبل هيئة التحكيم بحسب الفقرة 2 من المادة 37 لا تكون إلا لمرة واحدة مهما كانت مدة المد.
وهنا قد تعترضنا مسألتان:
الأولى: أن يصدر قرار صريح بمد الأجل لمدة محددة كأسبوع أو ثلاثون يوماً مثلاً. فهنا يجب على هيئة التحكيم أن تفصل النزاع خلال هذه المدة دون أي زيادة يوماً واحداً.
والثانية: أن يكون القرار ضمنياً أو صريحاً ولكن لا يتضمن مدة محددة للمد فهنا يعتبر التحكيم مدداً حكماً لتسعين يوماً يجب خلالها أن يصدر الحكم الفاصل في النزاع دون تأخير.
وفي الحالتين لا يجوز لهيئة التحكيم ولا بحال من الأحوال مد التحكيم لمرة ثانية أو أكثر حتى لو كانت المدة التي حددتها لمد الأجل أقل من تسعين يوماً لأن المشرع أعطاها حق المد التلقائي لمرة واحدة مهما كانت المدة (لا تزيد على 90 يوماً) ولم يمنحها الحق لأن تمد الأجل تلقائياً لمرتين أو ثلاث مرات أو أكثر ولو كانت هذه المدد بمجموعها لا تزيد عن 90 يوماً. فإذا قررت الهيئة مد الأجل لمدة عشرة أيام فقط فلا يجوز لها مده مرة ثانية لتكمل بها الـ 90 يوماً ولا أقل من ذلك ولا أكثر.
الطريقة الثانية: طلب التمديد المقدم من طرفي التحكيم:
إذا انتهى الميعاد الأصلي، أو الممدد حكماً من قبل هيئة التحكيم، أو كانت هيئة التحكيم لم تستخدم صلاحيتها بالتمديد، دون صدور حكم التحكيم خلالها فعندها يجوز لكل طرف من طرفي التحكيم أن يطلب مد أجل التحكيم لمدة إضافية. وهذه الحالة تختلف عن حالة التمديد الأولى بما يلي:
1. الحالة الأولى تلقائية بقرار صريح أو ضمني يتخذ من قبل هيئة التحكيم. أما في الحالة الثانية فيكون من قبل المحكمة المختصة المعرفة في المادة 3 من قانون التحكيم بناء على طلب من أحد أطراف التحكيم.
2. في الحالة الأولى تصدر قرارها الصريح أو الضمني قبل إنتهاء المدة الأصلية. أما في الحالة الثانية فيجب تقديم طلب التمديد (لمرة واحدة) من أحد أطراف التحكيم خلال مدة 10 أيام من انتهاء الميعاد الأصلي أو الممدد لمرة واحدة من قبل هيئة التحكيم.
جزاء فوات مدة التحكيم الأصلية أو الممددة دون صدور حكم ينهي النزاع:
كما سبق وبينا أعلاه فإنه يحق للمحكمة المختصة قبول طلب التمديد أو (رده) وتصدر قراراً مبرماً في غرفة المذاكرة بعد دعوة الخصوم.
وبناءً عليه في حالة إنتهاء المدة الأصلية أو الممددة، أو تقديم طلب للمحكمة لمده ورد الطلب، فعندها يعتبر التحكيم منتهياً دون فصل وتعود ولاية النظر بالنزاع للقضاء العادي ما لم يتفق الأطراف على التحكيم مجدداً، مع حق المتضرر بطلب التعويض عما يكون قد أصابه من ضرر نتيجة عدم فصل النزاع في الوقت المحدد للتحكيم (الفقرات 4 و 5 من المادة 137).
حالة صدور الحكم بعد فوات المدة، هل يعد فوات مدة التحكيم سبباً لبطلان الحكم ومانعاً من إكسائه صيغة التنفيذ؟
إن المادة 37 بكل ما ورد فيها من أحكام عن مدة صدور حكم التحكيم، لم تتناول حالة صدور الحكم خارج هذه المدة الأصلية أو الممددة.
ويرى البعض أن المشرع لم يرتب البطلان على مخالفة نص المادة 37 من قانون التحكيم، ولم يجعل مخالفتها سبباً من أسباب البطلان الحصرية المنصوص عليها في المادة 50 منه، وكذلك ليس من أسباب الإمتناع عن إكساء حكم التنفيذ صيغة التنفيذ الحصرية أيضاً الواردة بالمادة 56، على إعتبار أن مخالفة هذه المادة لم ترد صراحة في هاتين المادتين، وأنه لا يجوز الطعن بالبطلان أو الإمتناع عن الإكساء لأي سبب آخر خلافاً لما أورده نصيهما. وبالتالي فإن صدور الحكم خارج المدة المحددة لصدوره لا يشكل سبباً لبطلانه، أو الإمتناع عن إكسائه صيغة التنفيذ. ويساق تبريراً لهذا الرأي أن المشرع لو كان يقصد جعل هذا الأمر سبباً للبطلان لنص عليه صراحةً، وخلاصة الرأي أن المشرع نص في المادة 37 على أسلوب إجرائي لإنهاء إجراءات التحكيم قبل صدور حكم التحكيم، فإذا استمر الطرفان في التحكيم ولم يمارسا هذه الإجراءات، وصدر الحكم، فإنه يعتبر بمثابة تمديد أو إتفاق جديد ضمني على التمديد ولا يجوز لهما بالتالي النعي على هذا الحكم لدوره خارج المدة. وكما هو واضح فإن هذا التبرير تحت فكرة القبول الضمني لطري التحكيم للإجراء ما دام لم يصدر منهما تحفظ عليه، ولم يقوم بأي إجراء لإنهاء التحكيم سابقاً لصدوره، وهذا ما يتفق مع نص المادة 31 التي قضت بأنه: "إذا استمر أحد طرفي النزاع في إجراءات التحكيم مع علمه بوقوع مخالفة لشرط في اتفاق التحكيم أو لحكم من أحكام هذا القانون يجوز الاتفاق على مخالفته دون أن يقدم اعتراضاً على هذه المخالفة في الميعاد المتفق عليه أو في وقت معقول عند عدم الاتفاق اعتبر ذلك نزولاً منه عن حقه في الإعتراض."[6]. وتطبيق ذلك أن عدم الإعتراض على إستمرار الإجراءات أو التقدم بطلب التمديد أو الطعن بالبطلان ضمن المدد المحددة قانوناً، بعد إنتهاء مدة التحكيم ، بالأسلوب الذي ينص عليه القانون، يعتبر قبولاً ضمنياً لإمتداد مدة التحكيم.
بالمقابل يرى البعض أن حكم التحكيم الذي يصدر بعد الميعاد يقع باطلاً كونه قد صدر من هيئة إنحسرت عنها السلطة التي خولها لها أطراف التحكيم، ولأن ميعاد إصدار الحكم يحدد الإطار الزمني لممارسة هيئة التحكيم للإختصاص الإستثنائي المخول لها أو المهمة الموكولة إليها بحيث يترتب على إنقضاء الميعاد المحدد سقوط هذا الإتفاق. ويرى أن صدور الحكم رغم فوات المدة الأصلية أو الممددة من الهيئة أو المحكمة المختصة، يدخل ضمن أحكام المادة 50/ز وأحكام المادة 562/ب، وجاز طلب بطلان أو عدم إكسائه إستناداً لذلك.
وثمة تشريعات تأخذ بهذا الإتجاه مثل مرسوم التحكيم الدولي الصادر في فرنسا (م502/أ) الذي قضى بأنه يترتب على صدور الحكم بعد فوات الميعاد بطلانه إذا كان صادراً في فرنسا، أما إذا صدر خارجها فإن مصيره هو رفض الإعتراف به ورفض تنفيذه في فرنسا[7].
أترك هذه الموضوع للمناقشة وآراء المهتمين، وإجتهاد القضاء حيث لم يصل لعلمي أي حكم سوري يتناول هذه المسألة.
الخاتمة:
في ضوء ما ذكر أعلاه يبدو واضحاً جلياً أهمية ضبط العلاقة في هذه المسألة بشكل أوضح في قانون التحكيم، بحيث يتم تعديل القانون ليكرس حرية الأطراف وأولوية إتفاقهما في تحديد مدة التحكيم وفي تمديدها وفي تحديد جزاء مخالفتها. وفي تحديد الجزاء المترتب على سكوت الأطراف عن تجاوز مدة التحكيم دون مستند، وإعتبار سكوتهما وعدم إعتراضهما وإستمرارهما بإجراءات التحكيم بمثابة قبولاً ضمنياً بحيث لا يجوز له بعد صدور الحكم طلب بطلانه.
ومفاد ما تقدم أن المشاكل العملية التي أبرزها تطبيق القانون، والثغرات الموجودة فيه، يجب أن تكون محل دارسة وإعتبار وإعادة نظر وتعديل، وخصوصاً تحديد القواعد الآمرة التي لا يجوز مخالفتها والجزاءات المترتبة على مخالفتها، وتحديد القواعد المكملة التي لا يترتب على مخالفتها أي جزاء ولا تكون سبباً من أسباب بطلان الحكم أو الإمتناع عن إكسائه صيغة التنفيذ.
إن هناك كثير من المسائل التي تحتاج لدراسة وأحكام بحاجة لتعديل. فعلى إعتبار أن التحكيم طريقٌ إستثنائيٌ لتسوية المنازعات، وإذا أردنا أن يكون خاضعاً لرقابة قضاء الدولة، فهذا يقتضي أن يكون القانون وآلية وإجراءات هذه الرقابة واضحة ودقيقة ومقيدة بأضيق الحدود، حتى لا يفرغ التحكيم من مضمونه وأسباب وجوده، وحتى لا يصبح سبباً إضافياً للمزيد من النزاعات بدلاً من أن يكون حلاً لها.
دمشق 24/1/2022
[1] تجدر الإشارة إلى أن قواعد اليونسيترال تتيح لهيئة التحكيم إصدار الحكم في الميعاد الذي تراه مناسباً لظروف الدعوى، وبالتالي لا تكون مدة التحكيم وفقاً لهذه القواعد محددة على نحو قاطع في بداية إجراءات التحكيم.
[2] رغم أن التحديد الإتفاقي لميعاد إصدار حكم التحكيم يحقق أهداف طرفي التحكيم في حسم النزاع في المدة التي يحددونها إلا أن هذا التحديد يكون غير واقعياً وغير عملياً غالباً وذلك كون الأطراف غالباً ما يكونون على غير دراية كافية بما تحتاجه العملية التحكيمية من إجراءات وما قد يعترضها من أمور ومعوقات تحول دون إعطاء القضية ما تستحقه من عناية.
[3] طبقاً للقانون الفرنسي فإنه لا يمكن تفويض المحكمين في مد ميعاد التحكيم (إستئناف باريس 133/1981 - مجلة التحكيم 1982 - ص 85).
[4] يرى البعض أنه إذا تحدد ميعاد إصدار الحكم بإتفاق طرفي التحكيم، فإن مده يجب أن يتم أيضاً بإتفاق الطرفين وليس بمقتضى قرار هيئة التحكيم من تلقاء نفسها، ولذلك فإنه إذا تعذر إتفاق الطرفين على المد فيجوز لأيهما أن يطلب من رئيس المحكمة المختصة تمديده (عاطف الفقي، التحكيم في المنازعات البحرية 1996 ص 553). وفي إعتقادنا أن نص المادة 37 واضحاً في ان سلطة المد للهيئة مطلقة تثبت لهيئة التحكيم في جميع الأحوال سواء تحدد الميعاد الأصلي إتفاقاً أم قانوناً.
[5] قضت محكمة النقض المصرية بأن: "تحديد ميعاد حكم التحكيم بحكم القانون لا يحجب إرادة الطرفين في مده سواءً بأنفسهم أو بتفويض وكلائهم أو محكميهم بذلك، وكما يكون الإتفاق على مد الأجل صريحاً فإنه يستفاد ضمناً من حضور الطرفين أمام هيئة التحكيم والمناقشة في القضية رغم إنقضاء الميعاد الأصلي (نقض مصري 14/2/1988 س 29 ص 242).
[6] إتساقاً مع إتجاه صحة حكم التحكيم الذي يصدر بعد إنقضاء مدة التحكيم رفضت إحدى محاكم نيويورك الحكم ببطلان مثل هذا الحكم ما دام لم يثبت أن هناك تحيزاً لأحد الأطراف.
أشار إليه:
Redfern, Hunter, Law and practice of international commercial arbitration (1999) no 8/59 p392
[7] نقض فرنسي بتاريخ 27/4/1981 جازيت دو باليه 584-2-1981 على حكم تحكيم صدر في إطار لائحة تحكيم غرفة التجارة الدولية، حيث قضت ببطلان حكم تحكيم أصدرته هيئة تحكيم في الميعاد ولكنه لم يجر إقراره من قبل محكمة تحكيم غرفة التجارة الدولية إلا بعد فوات هذا الميعاد.